سورة الشعراء - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الشعراء)


        


لما انقطع فرعون في الحجة رجع إلى الاستعلاء، والتغلب، وهذه أبين علامات الانقطاع، فتوعّد موسى عليه السلام بالسجن حين أعياه خطابه، وفي توعده بالسجن ضعف لأنه خارت طباعه معه، وكان فيما روي يفزع منه فزعاً شديداً حتى كان لا يمسك بوله، وروي أن سجنه كان أشد من القتل في مطبق لا ينطلق منه أبداً فكان مخوفاً.
قال القاضي أبو محمد: وهذه نزعة دار النبود إلى اليوم، وكان عند موسى عليه السلام من أمر الله تعالى ما لا يفزعه توعد فرعون فقال له موسى على جهة اللطف به والطمع في إيمانه {أولو جئتك بشيء مبين} يتضح لك معه صدقي، أفكنت تسجنني، فلما سمع فرعون ذلك طمع أن يجد أثناءه موضع معارضة فقال له {فأت به إن كنت من الصادقين} {فألقى} موسى عصاه من يده وكانت من عصي الجنة وكانت عصى آدم عليه السلام، ويروى أنها كانت من غير ورقة الريحان، وكانت عن شعيب عليه السلام في جملة عصي الأنبياء فأعطاها لموسى عليه السلام عليه السلام عن رعايته له الغنم على صورة قد تقدم ذكرها دلت على نبوة موسى وكان لها في رأسها شعبتان فثم كان فم الحية وغير ذلك من قصص هذه، ونزع يده من جيبه فإذا هي تتلألأ كأنها قطعة من الشمس، فلما رأى فرعون ذلك هاله ولم يكن له فيه مدفع غير أنه فزع إلى رميه بالسحر، وطمع، لعلو علم السحر في ذلك الوقت وكثرته، أن يكون فيه سبب لمقاومة موسى فأوهم قومه وأتباعه أن موسى عليه السلام ساحر، ثم استشارهم في أمره وأغراهم به في قوله {يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره} فأشاروا عليه بتأخير أمره وأمر أخيه وجمع السحرة لمقاومته، وروي أنهم أشاروا بسجنه وهو كان الإرجاء عندهم، والإرجاء التأخير ولم يشيروا بقتله لأن حجته نيرة وضلالتهم في ربوبية فرعون مبينة فخشوا الفتنة وطمعوا أن يغلب بحجة تقنع العوام، والحاشر الجامع، وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم {بكل سحار}، وهو بناء المبالغة وقرأ عاصم أيضاً والأعمش {بكل ساحر}.


اليوم هو يوم الزينة، وقيل كان يوم كسر خليج النيل، فهو كان يوم الزينة على وجه الدهر بمصر، وقال ابن زيد إن هذا الجمع كان بالإسكندرية، وقوله {لعلنا نتبع السحرة} ليس معناه نتبعهم في السحر إنما أراد نتبعهم في نصرة ديننا وملتنا والإبطال على معارضتنا، وقرأ الأعرج وأبو عمرو {أين لنا} على الاستفهام، وقرأ عيسى {نعِم} بكسر العين، والتقريب الذي وعدهم به فرعون هو الجاه الزائد على العطاء الذي طلبوه والقرب من الملك الذي كان عندهم إلههم، واختلف الناس في عدد السحرة، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم، وكانوا مجموعين من مدائن مصر ريف النيل وهي كانت بلاد السحر الفرماء وأنصناء وغير ذلك ومعظمهم كان من الفرماء، والحبال والعصي كانت أوقار إبل، وقولهم {بعزة فرعون} يحتمل وجهين أحدهما القسم كأنهم أقسموا بعزة فرعون، كما تقول بالله إني لأفعل كذا وكذا، فكان قسمهم {بعزة فرعون} غير مبرور، والآخر أن يكون على جهة التعظيم لفرعون إذ كانوا يعبدونه والتبرك باسمه كما تقول ابتدأت بعمل شغل {بسم الله} {وعلى بركة الله}. ونحو هذا.


تقدم في غير هذه السورة ما ذكر الناس في عظم الحية حين ألقى موسى عصاه، وفي هذه الآيات متروك كثير يدل عليه الظاهر، وقد ذكر في مواضع أخر وهي خوف موسى من ظهور سحرهم واسترهابهم للناس وتخييلهم في حبالهم وعصيهم أنها تسعى بقصد، ثم إن الحية التي خلق الله في العصا التقمت لك الحبال والعصي عن آخرها وأعدمها الله تعالى في جوفها وعادت العصا إلى حالها حين أخذ موسى بالفرجة التي في رأسها فأدخل يده في فمها فعادت عصا بإذن الله عز وجل. وقرأ جمهور القراء {تَلَقّف} بفتح التاء خفيفة واللام وشدّ القاف، وقرأ حفص عن عاصم {تلْقَف} بسكون اللام وتخفيف القاف، وروى البزي وفليح عن ابن كثير شد التاء وفتح اللام وشد القاف، ويلزم على هذه القراءة إذا ابتدأ أن يجلب همزة الوصل وهمزة الوصل لا تدخل على الأفعال المضارعة كما لا تدخل على أسماء الفاعلين، وقوله {ما يأفكون}، أي ما يكذبون معه وبسببه في قولهم إنها معارضة لموسى ونوع من فعله، والإفك الكذب، ثم إن السحرة لما رأوا العصا، خالية من صناعة السحر ورأوا فيها بعد من أمر الله ما أيقنوا أنه ليس في قوة بشر أذعنوا ورأوا أن الغنيمة هي الإيمان والتمسك بأمر الله عز وجل فسجدوا كلهم لله عز وجل مقرين بوحدانيته وقدرته، ووصلوا إيمانهم بسبب موسى وهارون، وصرحوا بأن ذلك على أيديهما لأن قولهم {رب العالمين} مغن فلم يكرروا البيان في قولهم {رب موسى وهارون} إلا لما ذكرناه فلما رأى فرعون وملؤه إيمان السحرة وقامت الحجة بإيمان أهل علمهم ومظنة نصرتهم وقع فرعون في الورطة العظمى، فرجع إلى السحرة بهذه الحجة الأخرى، فوقفهم موبخاً على إيمانهم بموسى قبل إذنه، وفي هذه اللفظة مقاربة عظيمة وبعض إذعان لأن محتملاتها أنهم لو طلبوا إذنه في ذلك أذن، ثم توعدهم بقطع الأيدي والأرجل {من خلاف} والصلب في جذوع النخل فقالوا له {لا ضير} أي لا يضرنا ذلك مع انقلابنا إلى مغفرة الله ورضوانه.
وروي أنه أنفذ فيهم ذلك الوعيد وصلبهم على النيل، قال ابن عباس أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء، وقولهم {أن كنا أو المؤمنين} يريدون من القبط وصنيفتهم وإلا فقد كانت بنو إسرائيل آمنت، وقرأ الناس {أن كنا} بفتح الألف، وقرأ أبان بن تغلب {إن} بكسر الألف بمعنى أن طمعهم إنما هو بهذا الشرط.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8